من أين تبدأ التنمية؟
قانون العمل الكويتي من أكثر القوانين ارتباكا وشائكية وهذا ليس لصعوبته أو لعدم وجود من هم أهل لعمله، لكن بسبب بيئة العمل السيئة التي يعاني منها سوق العمل الكويتي والتي امتد أثرها لصاحب العمل والعامل. في عام 2010 تم عمل قانون جديد برقم 6 لسنة 2010 يراعي ثغرات القانون السابق له، وقد أثار هذا القانون حينها حفيظة الكثير من أصحاب العمل لميله الواضح تجاه العامل وحقوقه على حساب حقوق صاحب العمل، فقد كان الدافع الأساسي لعمل هذا القانون حينها، وعلى وجه السرعة، ليس تقويم بيئة العمل وضمان الحقوق لكلا الطرفين لكن لتفادي المخالفات الدولية المختصة بحقوق الإنسان والتي وجهت للكويت حينها.
الربكة التي عملها هذا القانون وأساليب اللف والدوران التي اتبعها بعض أصحاب العمل لتفادي هضم حقوقه لا تهمنا بهذا المقال، لكن ما يلفت انتباهي في هذا القانون على وجه الخصوص هو المادة 10 والتي تنص على «يحظر على صاحب العمل تشغيل عمالة ما لم تأذن له الوزارة،….. ولا يجوز لصاحب العمل أن يستقدم عمالا من خارج البلاد أو أن يستخدم عمالا من داخل البلاد ثم يعمد إلى عدم تسليمهم العمل لديه أو يثبت عدم حاجته الفعلية لهم، إلخ…» ويلحق بها نص المادة 138 من القانون ذاته والتي تشرح عقوبة المخالف «مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها أي قانون يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف حكم الفقرة الثالثة من المادة (10) من هذا القانون». فالمادة 10 هي ذاتها الموجودة بالقانون السابق وهي المادة التي تستخدمها وزارة الشؤون سابقا لتتبع العمالة السائبة التي تقارب المليون نسمة والمسرحة بشوارع الكويت والتي تدخل البلاد بعقود وهمية من قبل تجار الإقامات الذين يسهلون دخولهم للبلاد من خلال نفوذهم فيها. وقد أشرت في إحدى الندوات التي شاركت فيها قبل أشهر والتي ناقشت التركيبة السكانية الى أن خللنا الأعظم في البلاد ليس الوافدين لكن تجارة الإقامات وان هناك قصورا تشريعيا بائنا للحد من هذه الجريمة والحكومة والمجلس يشيحان بوجهيهما عنها لأسباب يعلمها الجميع. المخجل هو التعديل الذي غلظ العقوبة والذي أقر بقانون رقم 32 لسنة 2016 على المادة 138 (المذكورة أعلاه) والذي وافق عليه مجلس الأمة في شهر يوليو 2016، وينص التعديل على التالي «مع عدم الإخلال بأي عقوبة اشد ينص عليها أي قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة عن كل عامل لا تقل عن ألفي دينار، ولا تزيد على عشرة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل صاحب عمل يخالف أحكام الفقرة الثانية من المادة العاشرة. وفي حال التحاق العامل بالعمل لدى صاحب عمل آخر بالمخالفة لأحكام المادة 10 فقرة 2 المشار إليها يعاقب صاحب العمل الآخر بذات العقوبة الواردة في الفقرة السابقة من هذه المادة،… إلخ». أقول عن هذا القانون وتعديلاته مخجلة لأنه ترك المتسبب الرئيسي، وهم تجار الإقامات، والحلول الجذرية، أي تشريعات تجرم هذه التجارة تحديدا، وأصبح يلاحق كل من يستخدم هذه العمالة السائبة بالبلاد والكل يعلم بحقيقة ان تجار الإقامات لا يسمحون بنقل الإقامة (حتى لا تضيع إتاواتهم)، وكما نعلم أيضا أن الهيئة العامة للقوى العاملة تتشدد مع أصحاب العمل حين استقدام عمالة لأعمالهم بحجة مكافحة تجارة الإقامات، لهذا أتساءل.. هذا التعديل على القانون والذي ينص على الحبس لمدة 3 سنوات على كل يستخدم العمالة السائبة يعاقب من بالتحديد؟ صاحب العمل الذي يريد تسيير عمله بالبلاد من خلال القانون وبيئة أعماله ام متجاوز القانون الذي يستبيح البلاد من خلال نفوذه ولا يستطيع هذا القانون او غيره الاقتراب منه؟! هل يلاحق هذا القانون وتعديلاته النسبة الضئيلة من متجاوزي القانون بسبب تقاعسهم وجهلهم ام يلاحق تجار الإقامات ونحن نعلم بنفوذهم على القانون؟!
الترقيع بالقوانين دون معالجة الخلل لن يجدي نفعا ولن يحسن من أوضاع الفساد لدينا، لذلك أطلق على هذا القانون وتعديلاته التعليق الكويتي الذي يطلق على الشخص الذي يريد أن يعمل أمرا لكنه غير قادر وهو «وده ومستحي»، فهل من العدالة والإنصاف حبس من يريد تسيير عمله وهو مضطر لسوء إدارة البلاد ولم يعمد لخرق قوانين الدولة من هيئة القوى العاملة والداخلية والهجرة والمنافذ وترك من يعمد الى خرق وكسر هذه القوانين بسابق عمد وإصرار ليدخل عمالة بالآلاف بعقود وهمية تستنزف البنى التحتية للبلاد؟! هل يستحق من يريد أن يمارس عمله الخاص أن يحبس لمدة 3 سنوات لأنه «اضطر» لتوظيف عمالة سائبة لا يجد عنها بديلا سوى خسارة تجارية بعمله؟! هل يجازى المواطن بالحبس والغرامة لان الحكومة والمجلس عاجزان عن محاربة تجار الإقامات؟! أي تحسين بيئة أعمال يتحدث عنها الحكومة والمجلس وهما عاجزان عن أخذ التدابير اللازمة للحد من هذه الجريمة؟ هذا القانون وتعديله خطير جدا وبه انتهاك صريح لحريات المواطن ولحقوق صاحب العمل، وأتعجب من إقراره من قبل مجلس الأمة وعدم اعتراض أصحاب العمل عليه!
اترك تعليقاً