“اقتحام المجلس” .. رأي استيضاحي بين هذا وذاك
حكم المحكمة الذي صدر بحق المتهمين في دخول أو اقتحام مجلس الأمة بتاريخ 27/11/2017، أثار الكثير من وجهات النظر بين مؤيد ومعارض، ووصل الأمر بالبعض المعارض للحكم الصادر، للدخول بنوايا البعض المعارض لهم في الرأي وإلباسهم آراء لم يتفوهوا بها، لكن لمجرد إدلائهم برأي لم يأت تبعا لتوجههم، واعتقدوا أن هذا الاختلاف يسمح لهم ان يبنوا عليه آراء أخرى لم يتفوه بها أصحاب الرأي، وللأسف من يقوم بهذا التصرف هم الأشخاص ذاتهم الذين يطالبون وينادون بمحاربة الفساد وتطبيق القانون وسيادة الحياة الديموقراطية! وحتى نستوضح القصد فسأستخدم المثال التالي والذي حصل معي شخصيا حتى نشخّص الموضوع بشكل مستفيض وملموس.
كتبت تغريدة تعبّر عن رأيي في الحكم الصادر بحق «مقتحمي» مجلس الأمة وهي كالتالي «هل أصبح كسر باب قبّة برلمانية واقتحامها رأياً؟ هل أصبح شحن الشباب وإنزالهم الشوارع موقفا سياسيا؟ أي لغة عوجاء تتكلمون؟ وأي مفهوم مغلوط تستخدمون؟ نحن من نقول لكم اليوم كفى هرجا، نريد هدوءا بناء، تنمية وإنتاجا يضمن استقرارنا ورفعتنا» وكانت هذه التغريدة ردّا على تغريدة لعبدالوهاب البابطين التي قالت «بعد صدور الحكم بسجن الشباب والنواب الوطنيين ولسوء الوضع الإقليمي الداعي لوحدة الصف، أصبح العفو عن سجناء الرأي والمواقف السياسية ضرورة ملحّة»، ما استوقفني حقيقة في هذا الاختلاف ليس خلاف الرأي لكن نبرة ولغة العنف الشديدة المستخدمة من قبل الشباب معارضي الحكم وإقصاؤهم لكل رأي آخر مخالف لتوجههم، فأنا بتغريدتي قصدت معارضة السلوك المستخدم من دخول واقتحام لمجلس الأمة كونه سلوكا غير حضاري وغير قانوني، فنحن ككويتيين آلمنا منظر دفع باب قاعة عبدالله السالم بالأكتاف والأذرع بقوة وعنف، فهذا المنظر لا يوحي بعملية دخول عادية، لكن يوحي بعملية دخول قسرية، وهو فعل لا تبرره وقفة احتجاج ولا اعتراض على قضية «القبيضة» التي أساءت لكل الكويتيين واستنكروها، فمجلس الأمة هو بيت الأمة ويؤلمنا دخوله بهذا الشكل والوقوف على طاولاته ورفع الكراسي وقلبها وإشاعة الفوضى به، بغضّ النظر عن الفترة الزمنية لهذا الفعل، لكون المهم هنا هو حدوث الفعل وليس مدته، ايضا سلوك الشغب بالشوارع عام 2012 الذي روّع مواطنين آمنين في بيوتهم في أوقات متأخرة من الليل لا تبرره لا وقفة احتجاج ولا اعتــــــراض، فللاحتجاج أشكال أخرى سلمية تؤّمن الاعتراض وإيصال المطالبة دون خرق للقانون، وهذا كان رأيي منذ بداية هذه التحركات في عام 2012، لكن للأسف تم تأويل مقصدي ليشمل تأييدي لسجن الشباب والتشمّت بهم والفرحة بما حلّ بهم! كيف لي ان أتشمت بشباب بلدي؟ وكيف لي ان أفرح بسجن شباب بعمر الزهور؟ وكيف قرروا ان رأيي بتلك التغريدة جعل مني انسانا صامتا على كل خروقات القانون السابقة وصدوره عند إعلان حكم المحكمة الأخير؟ حقيقة لا أفهم كيف تم بناء كل هذه الاعتقادات، إلا انني أدري وأعرف ان الإنسان عندما تكون معلوماته قليلة او محدودة فعادة ما تكون آراؤه خاطئة نتيجة لبناء صور ذهنية (معتقدات) مشوهة ناتجة عن ضعف بالمعرفة والوعي.
وحتى نكون أكثر موضوعية ونبتعد عن الشخصانية بالطرح، فإنني سأطرح عدة محاور أدناه استند إليها الإخوة معارضو حكم المحكمة في معارضتهم للحكم وتأييدهم لدخول مجلس الأمة في وقت متأخر من الليل وخارج أوقات العمل الخاصة بالمجلس، والى ما سأنتهي إليه من طرح فإنني سأتركه للقارئ ليقرر بنفسه ما هو الراجح وغير الراجح في هذا الأمر، وليس لتقرير الصواب والخطأ لكونهما نسبيين ومتغيرين ولا تبنى أحكام على صحة أو خطأ.
المحور الأول: نزولنا للشارع ودخولنا لمجلس الأمة كان وقفة احتجاجية ضد قضية القبيضة:
يدعي مؤيدو دخول مجلس الأمة عنوة أن موقفهم هذا سلمي وذو نوايا سليمة، وكان وقفة احتجاجية ضد قضية «القبيضة» ولاستيائهم من سمو رئيس الوزراء آنذاك الشيخ ناصر المحمد الصباح، وحسبما أذكر وأعلم فقد كان الكلام المتداول وقتها والذي كان يبرر الاقتحام هو رفضهم لشطب استجواب رئيس الوزراء بما يخص التحويلات الخارجية والإيداعات البنكية والتي حينها تعالت الأصوات المعارضة للشطب والتي دخلت بنوايا الحكومة في إضعاف الدستور ونيتها في تعديله وتنقيحه، وفيها قام نواب المعارضة بالتهديد باستخدام الشارع والنزول اليه اذا لم تستجب الحكومة لمطالبهم او عدم تفعيلها لمواد الدستور حسب قولهم وقتها، وهذا الذي حصل، وتم النزول للشارع في مظاهرات، منها مرخصة ومنها غير مرخصة، وفي احدى المظاهرات غير المرخصة لجأ بعض المتظاهرين للدخول لداخل البوابة الخارجية لمجلس الأمة، لكن تمادى الأمر عند البعض للدخول وللوصول لقاعة عبدالله السالم واقتحامها وهي مغلقة بحجة الاعتراض! الاعتراض على ماذا؟ سلوك الإيداعات أم شطب الاستجواب أم كليهما معا؟ أيما كان السبب، ما علاقة سلوك اقتحام قاعة برلمانية عنوة بمطالب كشف راشين ومرتشين؟ او في الاعتراض على شطب استجواب؟ ما علاقة النزول للشارع واستخدام العنف باللغة والتحدي وإثارة الشارع وزعزعة الأمن في المطالبة بالكشف عن راشين ومرتشين أو شطب استجواب؟ ألا ينادون بصون الدستور وعدم إضعافه وعدم المساس به؟!، فأي دستور يصان وقاعته تستباح بكسر بابها ودخولها عنوة والوقوف على طاولاتها ورفع وقلب كراسيها بحجة «اعتراض سلمي»؟ وللتوضيح، استنكاري دخول مجلس الأمة والمظاهرات بالشوارع غير المرخصة لا يعني موافقتي على قضية القبيضة وشطب الاستجواب وعلى مستوى الأداء بين المجلس والحكومة، لكن يعني اعتراضي على الأسلوب التصعيدي غير المبرر الذي أوصلنا اليوم لهذه الأحكام وتردي الأوضاع دون نتائج حقيقية تذكر أو قيمة مضافة ناتجة عن هذا التحرك.
المحور الثاني: وقفتنا واعتراضنا مماثل لوقفة دواوين الاثنين:
المفارقة ان المعارضين يستشهدون بدواوين الاثنين وتجمعاتها، فدواوين الاثنين كانت تطالب بعودة الحياة البرلمانية والعمل بالدستور من بعد ما حله الأمير الراحل المغفور له الشيخ جابر الأحمد حلا غير دستوري، بينما أحداث أعوام 2011-2012 وما تلاها كانت الحياة البرلمانية قائمة ومارس فيها صاحب السمو الأمير صلاحياته حسب الدستور ولكن المعارضين هم من امتنع عن استخدام الدستور وآثروا الشارع عليه، ولننظر بنظرة سريعة على أوضاع تلك الفترة لنستبين حقيقة ما حصل وحتى نقارن بين هذا الحدث وحدثنا اليوم، وهل فعلا يمكن للمعارضين الاستشهاد بتلك الأحداث؟ في مجلس عام 1985 ومن بعد قرابة العام من عمره اشتدت الخلافات بين السلطتين ومع استقالة وزير العدل حينها نتيجة لشبهات قانونية في قراراته ونتيجة لزيادة أعداد الاستجوابات المقدمة من نواب عدة لأسباب مختلفة، حل الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، مجلس الأمة حلا غير دستوري، ولم يتم الإعلان عن انتخابات جديدة خلال 60 يوما من تاريخ حل المجلس حسبما ينص عليه الدستور.
فبدأ النواب بالتجمع في دواوينهم لبحث الأمر وقاموا بإرسال عدد من البرقيات للديوان الأميري دون استجابة، وعليه قاموا بعمل عريضة يوقع عليها الشعب تطالب بعودة المجلس والعمل بالدستور، وتم فتح دواوين النواب لاستقبال المواطنين المهتمين بالموضوع لإطلاعهم على آخر مستجدات تحركات النواب، وهو الأمر الذي لم يرق للحكومة فقامت بإيصال رسائل للنواب من خلال مختاري المناطق بأن التجمع ممنوع حسب قانون التجمعات وكان رد النواب حينها بأن عملهم ليس تجمعا لكن زيارة دواوين، والدواوين مشروعة بالبلاد وتعتبر من العادات الأصيلة للكويتيين ولا يخالف عليها القانون.
تحركت وزارة الداخلية بناء على ذلك وأنزلت القوات الخاصة لتطوق مكان الدواوين وتمنع الناس من التجمع وأغلقت الدواوين وأبقت من بداخلها محتجزين بها، واشتد الأمر في تجمعات أخرى، وفي مواقع متفرقة اعتدت القوات الخاصة على بعض المواطنين عند زيارتهم للدواوين وهو الأمر الذي استنكره النواب والشعب وكتبوا رسائل للديوان الأميري وللحكومة مستنكرين ما حصل، وعليه اعتذرت الحكومة لسلوكها وفتحت الحق للمواطنين بالتجمع بالدواوين مرة اخرى.
ومن الجدير بالذكر ايضا انه عندما تم استدعاء النائب احمد الشريعان للمخفر للتحقيق معه بتهمة التجمهر لأنه فتح ديوانيته للعامة وتم تهديده بالحبس، لم يكن للداخلية اي حجة لاحتجازه وعليه طلبوا منه دفع كفالة 500 د.ك لخروجه ورفض فتم إنزالها إلى 300 د.ك ورفض ومن ثم الى 200 د.ك ورفض حتى تم إخراجه دون كفالة!
نجد من السابق ان النواب القائمين على دواوين الاثنين حينها لم يتعدوا على القانون بل كانوا حريصين كل الحرص على المطالبة الصحيحة في حدود القانون لأنهم كانوا مدركين وواعين لحقيقة استغلال الحكومة لأي فعل غير قانوني من قبلهم ليستخدم ضدهم، وهنا نجد فرقا كبيرا وواضحا بين قانونيي الماضي والحاضر، فلم نسمع من قانونيي الماضي من يقول «سنكسر يد من يتعرض للعمل الطلابي» مثلما صرح به احد القانونيين من نواب المجلس الحالي! ولم يكن لديهم لغة تصعيدية لكن لغة واضحة المطالب ومحددة الأهداف بمحاور ثلاثة كانوا يتواصلون بها مع الحكومة.
سؤالي على ما سبق، ماذا كانت مطالب المحتجين عام 2011-2012 ومقتحمي المجلس؟ هل كان الشطب للاستجواب أم مراسيم الضرورة «التي أتت لاحقا» ام قضية الرشاوى المشهورة باسم «القبيضة»؟ أيا كانت، فالأسباب السابقة لا تعتبر مطالبة ولكن احتجاجا غير منظم وغير واضح الأهداف، فالمطالبة لها شكل واضح محدد يمكن ان تقاس بمعايير تحدد مدى نجاحها من عدمه مثل: بما يخص مرسوم الصوت الواحد فبالإمكان الدخول للمجلس من خلال الانتخابات ورفض مراسيم الضرورة التي قدمها الأمير باستخدام الدستور (مادة 71) وبذلك يعتبر خوض الانتخابات مجددا برغبة رفض المراسيم هدفا واضحا ومحددا يمكن قياس نجاحه، ايضا كان من الممكن عمل عريضة شعبية ترفع للديوان الأميري وللحكومة تطالب بالشفافية وكشف البيانات المالية ومحاسبة جميع أطراف قضية «القبيضة» المشتبه بهم وإقرار قوانين مستحدثة تمنع ما حدث ان يحدث مستقبلا، خاصة انه قد تبين لنا مؤخرا انه تم إغلاق هذا الملف لقصور تشريعي وهو الأمر الذي لا يمكن معالجته إلا بالمجلس وليس بالشارع، وكما هو الحال بالنسبة للشطب فحله يكون داخل المجلس وليس خارجه، ايضا بالمقابل (وبما يخص الشعب) عليه ان يطالب، من خلال مطالبات احتجاج سلمية، بعدم عودة رئيس الوزراء الذي حصلت بعهده قضية «القبيضة» وايضا عدم التصويت للنواب المشتبه بهم حتى تتم براءتهم من خلال الانتخابات، وليس بالاحتجاج معهم بالشوارع وعليهم شبهة أخذ رشاوى!
المحور الثالث: مطالبنا تؤكد مطالب رجال الدستور وتحركهم بسنة 1938 “سنة المجلس”:
ايضا يستشهد المعارضون بسنة المجلس (سنة 1938) وما حصل بها من مطالبات، وأنا أستغرب استشهادهم بتلك السنة، ففي تلك السنة كان هناك نشطاء كويتيون يطالبون بتفعيل وثيقة عام 1920 التي تطالب بإنشاء مجلس شورى منتخب من الشعب وكانوا يستخدمون أساليب سلمية مثل الضغط والتجمع ولم يقوموا بإثارة الجلبة بالشوارع ولم يقتحموا مقار رسمية حينها ولم يتلفظوا بكلمات يستنكرها الشعب، وما اضر بهذا التحرك كان امرين، الأول: استغلال أطراف اخرى لهذا التحرك ومحاولة قلب الحكم، الثاني: عدم وجود قوانين واضحة تشكل دولة مدنية يحكمها نظام قانوني قضائي متكامل، فتم اتهام النشطاء بتهم مختلفة منها التحريض وقلب الحكم دون شواهد وأدلة حقيقية تدينهم وذلك بهدف إخماد التحرك، وأغلب الكويتيين وقتها كانوا يدركون هذه الحقائق خاصة الحقيقة الثانية لذلك صفوا صفا واحدا مع من تم اتهامهم وهم يعلمون ببراءتهم، وهذا الأمر هو ما سهل ولادة الدستور بعد 23 عاما.
واذا ما قارنا تحرك عام 1938 وعام 2012 فإننا سنجد ان مطالب عام 1938 كانت واضحة وهي تفعيل وثيقة عام 1920 لتأسيس مجلس شورى شعبي وهذه المطالبة كانت واضحة وتم الثبات عليها من جميع الأطراف خلال سنة 1938 وبعدها من السنوات ولم تتم المساومة عليها، أما في تحرك 2011-2012 والسنوات التي تلتها، فإني أعيد السؤال ذاته، ما هي المطالبات التي كانوا يطالبون بها؟ هل هي إلغاء مراسيم الضرورة ام اعتراض على قضية القبيضة ام شطب الاستجوابات؟ ايا كانت مطالبهم، فيجب ان نفهم ان في سنوات 2011-2012 كان هناك دستور ومجلس أمة وفيها مارس صاحب السمو الأمير صلاحياته من خلال الدستور المنظم للصلاحيات، لكن الشعب آثر العكس وعدم استخدام صلاحياته من خلال عدم الدخول بالانتخابات والمقاطعة لها والنزول للشارع عوضا عن ذلك، وعدم تفعيل القوانين والصلاحيات الدستورية لمتابعة قضية القبيضة وتحويل المشتبهين بها للقضاء ومتابعة اللوائح المنظمة لشطب الاستجوابات.
للأسف تحرك عام 2012 كان يدور حول النوايا، فهم افترضوا مؤامرة حكومية ضد الديموقراطية والدستور، لذلك كانوا يقولون «ما راح يكون فيه فايدة حتى اذا دخلنا الانتخابات لأن الحكومة راح تنفذ اللي تبيه» وفضلوا المقاطعة والنزول للشارع عوضا عن الممارسة الديموقراطية التي طالب بها رجال 1938، فأي استشهاد هم يقصدون عندما يستذكرون تحرك عام 1938؟ ايضا علينا ان ننتبه إلى انه لا يمكن للحكومة ان تمرر ما تريده الا بموافقة غالبية مجلس الأمة حسب الدستور، ونحن نعلم ان ادوات الحكومة لتمرير ما تريد هو من خلال شراء ذمم الأعضاء من خلال اموال (قضية القبيضة) او من خلال المناقصات (واقع حالنا اليوم) وهذا دليل على ان نصف المشكلة تكمن في النواب الذين هم اختيار الشعب، فحراك اعوام 2011-2012 موجه لمن تحديدا، لمقدم الإغراءات الذي يريد تمرير مصالحه (الحكومة) ام لقابض الإغراءات (النواب القبيضة)؟
المحور الرابع، شواهد لمطالبات صحيحة أثمرت:
من بعد السابق قد يتساءل البعض «ماذا علينا ان نفعل إذن؟» وأنا كثيرا ما ذكرت وأكرر بأننا ان اردنا ان نحقق مطالبنا فعلينا ان نعي «ماذا نريد» اولا وأن نفهم بيئتنا (وعينا بقضيتنا والظروف المحيطة بها) ثانيا، وأن نرتكز دائما على القانون ونتحرك بحدوده، فتحرك دواوين الاثنين كان في اطار القانون لذلك لم تجد الحكومة مستمسكا على المطالبين حتى تقاضيهم، بينما تحرك عام 1938 وبسبب عدم وجود قانون يؤطر الدولة المدنية تم اتهامهم زورا وبهتانا، ايضا مطالب التحركين كانت واضحة ومحددة، ففي دواوين الاثنين كانت مطالبهم اعادة الحياة البرلمانية والعمل بالدستور، وفي سنة 1938 كانت مطالبهم اقامة نظام شورى شعبي.
لكن مع ذلك علينا ان نذكر انه كانت هناك تحركات تغييرية جذرية اخرى حصلت في السابق والحاضر وأتت بثمارها دون اثارة للفوضى ودون تجاوز القانون.
حرق البوشية
في عام 1953 تحرك عدد من الطالبات (السيدات/ فاطمة المطوع، ليلى المطوع وشيخة العنجري) الرافضات لارتداء البوشية، فقمن بالتعبير عن رفضهن بحرقهن لبوشياتهن بالفرصة في ساحة المدرسة.
هذا الفعل ادى الى ربكة في المجتمع الكويتي حينها الذي استنكر هذا الفعل لكون البيئة الثقافية لم تكن مستعدة لهذا الفعل فانتهى هذا التحرك بإعادة ارتداء البوشيات وإجبار الطالبات على ارتدائها بعد 3 سنوات، وفي العام 1956 قررت ذات الطالبات ممن حرقن البوشية النزول من الطائرة عند عودتهن للكويت دون بوشية وعباءة، وتم ذلك بجو من الهدوء والتقبل وكانت البداية الحقيقية لتحرير المرأة الكويتية من البوشية والعباءة، وحسب قول السيدة الفاضلة فاطمة حسين في مذكراتها، فإنها تعزو نجاح هذا التحرك نتيجة لتقبل المجتمع بسبب الانفتاح (البيئة) وبسبب اختلاف المستوى التعليمي، كونهما دارسات متعلمات، وهذه قيمة مضافة تحسب لهن مقابل اجيال سابقة من الامهات لم تسنح لهن فرصة التعليم (المعرفة).
هذا التحرك الذي خلق تغييرا ثقافيا في صميم العادات والتقاليد حدث بكل هدوء من خلال تحديد المطالب ووضوحها ووضعها في اهداف مقاسة، عمل عليها اصحابها بهدوء دون خلق للفوضى او الصياح او التجمهر، لذلك اثمر ثمارا صحيحة استمرت لسنوات تالية استفاد منها باقي الكويتيات، فكانت ممارسة للحريات الشخصية التي خلقت تغييرا مجتمعيا بكل توازن.
“نبيها خمس” .. فزعة وطنية
«نبيها خمس» ايضا هو تحرك شعبي سلمي واضح الاهداف والمطالب قام عليه مجموعة من الشباب طالبوا بتغيير الدوائر الانتخابية من 25 دائرة إلى 5 دوائر، وذلك نتيجة لسلبيات الدوائر الخمسة والعشرين، فيها قام المطالبون بالوقوف امام مجلس الأمة وقصر السيف ورفعوا لوحات تعكس مطالبهم المحددة مع استخدام وسائل الاعلام لنقل مطالبهم، عملوا تحركاتهم في ظل القانون وأطره فلم يتجاوزوه ولم يدخلوا مناطق سكنية في ساعات متأخرة من الليل ولم يتجاوزوا بألفاظهم حدود الاحترام، وسمي هذا التحرك «بالفزعة الوطنية» لأنه مثل شكلا (الممارسة) ومضمونا (المطالبة) ما اتفق عليه الشعب الكويتي.
وضوح المطالب والإصرار عليها شكل ضغطا صحيحا نتج عنه تغيير الدوائر الى خمس.
والمثالان السابقان يمثلان مطالبات صحيحة بأهداف واضحة لخلق التغيير المنشود بحدود القانون، وأحيانا باستخدام القانون ليكونا من الأمثلة الواقعية والحقيقية حتى نحتذي بها بكل مطالباتنا القادمة.
فأحكام المحكمة الأخيرة ما كان لها ان تكون لو استخدم المعارضون القنوات القانونية واتخذوا الحكمة في مطالبهم، وما كان لها ان تكون لو استخدموا القنوات الدستورية وتفعيل مواد الدستور للوصول لما يريدون.
لحراك عام 2012 نتائج عديدة لكن اهم ما يذكره مؤيدو هذا التحرك هو ازاحتهم لسمو رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد واستبداله برئيس وزراء جديد، وهو الأمر الذي يمكن ان يكون بطرق اخرى سلمية، لكن يجب ان ننظر كذلك للنتائج الأخرى التي انتجها هذا التحرك ووجب الوقوف عليها:
- نشوء «مقاطعة» للممارسة الديموقراطية، فتم خلق فئة من الشعب تقاطع الممارسة الانتخابية والحق الدستوري للشعب لسنوات مما ادى الى تنازل جزء من الشعب عن حقهم الديموقراطي الذي نادى به وسجن لأجله رجال تحرك عام 1938.
- ضعف المشاركة الشعبية في انتخابات سابقة مما ادى الى ضعف في دور مجالس منتخبة بعد عام 2012 بسبب سهولة استخدام المال السياسي. فبمقاطعتهم عززوا من ممارسات الفساد في الانتخابات وبالتالي عززوا عكس ما كانوا يرجون ويطلبون بمقاطعتهم.
- تقييد حريات الرأي من خلال اقرار قوانين معدلة متشددة للمرئي والمسموع وقوانين المطبوعات والنشر وتبعها اقرار قانون الجرائم الإلكترونية الذي استند إلى القوانين المتشددة السابقة التي ترتكز على تفسير النوايا وتم بسببها حبس عدد من الشباب الكويتي من مستخدمي قنوات التواصل الاجتماعي لمجرد تعبيرهم عن آرائهم، وفتحت هذه القوانين الباب للمحاسبة تبعا للنوايا حسبما يفهمها او يريدها القائم على الإدانة.
- شق الصف الكويتي بين مؤيد ومعارض لغياب الاهداف او عدم وضوحها وبسبب الاختلاف على الاسلوب المتبع في التعبير عن الرفض، فبدل ان يكون للمعارضة وجهة واحدة اصبح لديها وجهتان: الحكومة والشق الآخر من الشعب الذي لم يقبل بأسلوب المعارضة وإن كان متفقا معهم على عدم الرضا عن اداء الحكومة وفسادها، على خلاف تحرك عام 1938 وتحرك دواوين الاثنين، حيث كانت هناك وجهة واحدة وهي الحكومة وكان هناك اتفاق شعبي عام على التحرك.
- حكم الاستئناف الاخير الصادر في حق الشباب الكويتي بالحبس، وهو شباب غلبته العاطفة وتم تسييره من خلال انفعالاته، فنحن يؤلمنا (كما اشرت سابقا) ان نرى شبابا يسجن لكن ايضا بالمقابل كان سيؤلمنا لو لم يطبق القانون، خاصة ان اصحاب التحرك قدموا بأنفسهم للحكومة ما يدين فعلهم، لذلك نتمنى ان نشهد حكما معاكسا للذي صدر في محكمة الاستئناف، وينظر بالظروف التي صاحبت هذا التحرك وأن يفصل بين من أوقد نار الفتيل وبين من تبع بسبب غضب وانفعالات بسبب فوضى وفساد بلد.
اقتحام باب قاعة عبدالله السالم والصور التي انتشرت والتي تبين العنف والقسوة في الدخول وإثارة الفوضى في المناطق السكنية للاحتجاج، شقت الصف بين افراد الشعب الكويتي وهذا الشق اول دليل على عدم سلامة المطالبة بعيدا عن الاحكام الاخيرة، فلا اعتقد أن هناك كويتيا مخلصا غيورا يقبل بقضية القبيضة او يقبل بالفساد المتنامي بالبلاد مؤخرا او بالفوضى الادارية التي تعيشها الحكومة ولا ضياعها وتخبطها في إدارة الدولة، ولا يقبل بعدم وجود رؤية وخطة للبلاد وغير راض عن إدارة البلاد بمنهج «إدارة الازمات» منذ التحرير وتصفية خيرات ومدخرات البلاد، وبرأيي فأنا ارى ان الإدارة الحكومية على مضي عقود سابقة هي التي اوصلت حالنا اليوم لهذا التردي والغضب الذي يعيشه الشباب اليوم وحنقه هو نتيجة لأعمال الحكومة وإدارتها غير السليمة للبلاد والتي اشاعت الفساد الذي نعيشه اليوم.
لكن ايضا بالمقابل الفوضى والعنف برد الفعل ليست الوسيلة الصحيحة لتصحيح المسار وتحقيق ما نبتغيه نحن ككويتيين، كما هي اللغة الإقصائية المستخدمة من المعارضين للحكم، ليست اللغة الصحيحة التي ستعمل على مكافحة الفساد ولا على توحيد الصف الكويتي، فأصبح اليوم المعارض للحكم «وطنيا» ومن يخالفه الرأي «غير وطني» وأصبح من يعارض الحكم هو من يطالب بالحق وغير المعارض صامت سلبي خنوع قابل بالقمع والاستبداد.
ألا يدرك المعارضون بأن المؤيدين للحكم مؤيدون لتطبيق القانون لكنهم متألمون لسجن شباب اختاروا بكل ارادتهم ان ينتهجوا نهج العنف والتعدي على القانون؟ الا يدركوا أن هناك ممن ايد الحكم مؤيد لتطبيق القانون ويريده ان يتواصل لتطبيقه على كل خارق للقانون ومتجاوزه؟ ألا يدركون ان اول خطوة لمحاربة الفساد تكون بالالتزام بالقانون والتحرك من خلاله ليقوى حتى تتسنى لنا المطالبة بحقوقنا استنادا إليه؟ ألا يدركون أنه بكسر القانون فإن هيبة الدولة والدستور تضعف اكثر وأكثر؟ ألا يدركون ان الفتيل الذي اشعل كل هذا هو الفساد الذي سمحت به الحكومة من خلال خرقها وتهاونها باستخدامه وتطبيقه؟ التفكير بعقلية اما الاسود او الابيض لن تأخذنا الى مكان، فعلينا ان نتقبل بعضنا الآخر وأن نبتعد عن النوايا اذا اردنا اصلاحا وأن نكون مرنين موضوعيين بحيث يكون الموضوع (اي المطالبات محددة الأهداف) هي مرتكزنا الفكري حتى نصل للإصلاح الذي نبتغي، اما الإقصاء للآخر فلن يقربنا لمبتغانا لكنه سيبعدنا عنه، كما علينا ان نعمل اليوم على توحيد ولمّ الصف الكويتي الذي شقه (برأيي الخاص) استغلال لانفعال شبابي تعب من الفساد الحكومي وتدهور إدارة الدولة، من قبل متنفذين اصحاب اجندات خاصة، فلدينا ككويتيين الكثير من الأعمال لننجزها لتتجه بنا للإصلاح، والخلاف وشق الصف لن يأخذنا للإصلاح لكن تحديد الاهداف والمطالبات بمعايير دقيقة مقاسة والثبات عليها بهدوء وإصرار هي من ستحققها لنا خاصة بوضع الظروف الاقليمية الخارجية والمتغيرات الداخلية للبلاد
اترك تعليقاً