الوافدون.. الحلقة الأضعف

مع ازدياد أصوات الشعب المطالبة بتقليص حجم الوافدين علينا أن ندرك ان المشكلة الأساسية ليست في الوافدين، ولكنها فينا بالدرجة الأولى، ومن بعدنا في مدى كفاءة الوافدين وانتاجيتهم ودرجة علاقتهم بالفساد المستشري في البلاد، وأيضاً علاقة هذه القضية بمشكلة العمالة السائبة والمتسبّب فيها تجار الإقامات، وفي مسؤولية الإدارات الحكومية وسوء تشريعاتها وتطبيقها لافتقادها التخطيط لمدة أربعة عقود. لكن، في المقابل أنا أدرك حقيقة ان الانسان غير الواعي عادة ما يميل الى ايجاد الحلقة الاضعف في اي مشكلة تواجهه ليلقي اللوم عليها، إلا أن هذا السلوك السطحي من ناحية إدارية استراتيجية لن يؤدي الى حل جذري للمشكلة بل سيفاقمها. فالكويت من حيث الكثافة السكانية للكويتيين (1.3 مليون نسمة في مساحة 18 الف كلم) لا تشكل ازمة سكانية، والمؤشرات تؤيد ذلك، فمعدل التغيير للولادات replacement rate، والمعتمد عالمياً بنسبة 2.1 لكل امرأة، في الكويت هو 2.2، الا ان لدينا مشاكل جمّة، على الرغم من مواكبتنا لهذا المعدل، وهذا الامر مدرك من قبل الشعب، لذلك بدأ إلقاء اللوم جزافا على الوافدين من دون تعمّق في الاسباب الحقيقية، فمشكلتنا ليست في الوافدين وعددهم، لكن في التركيبة السكانية التي تتحدد في علاقتها بثلاثة عوامل: 1 – الموارد الطبيعية؛ فيجب ان تكون علاقة السكان بالموارد علاقة إيجابية، أي استهلاك بقدر الاحتياج (استخدام مستدام) وليست علاقة سلبية بمعنى الهدر والاستنزاف، ونحن نحرق يومياً 350 الف برميل من الوقود المسال بقيمة تقريبية 5.5 ملايين دينار يوميا لتوفير الكهرباء والمياه. 2 – تشريعات الدولة؛ وهو مدى مواكبتها في رفع كفاءة السكان الانتاجية وعدم خلق «عبء اعتمادي» (Dependency Burden) لدى المواطنين، فالمواطن يعتمد على الدولة اعتماداً كلياً، وانتاجيته هامشية لا تذكر فهو مستهلك لا منتج، وهذا بسبب عدم التخطيط لبناء الفرد المنتج وعدم وجود رؤية لافتقارنا إلى معرفة «ماذا نريد؟»، وتحديد «هل نريد مصالحنا الخاصة ام مصلحة وطن مستدام؟». 3 – تحديات الدولة؛ وهي علاقة المواطنين بتحديات الدولة ودورهم في الاسهام في معالجتها والحد منها، مثل تفشّي الفساد، تراجع التعليم، عدم وجود مصادر دخل بديلة.. الخ. كل هذه العوامل لا علاقة لها بالوافد، ولكننا نحن، شعبا وحكومة، من شجع بعض الوافدين على التمادي وممارسة الفساد والواسطات والرشى في بلدنا. فالخلل ليس في الكثافة ولا في الضغط على مرافق الدولة، لكن المشكلة في الاساس بالتركيبة السكانية الناتجة عن خلل تشريعي ومواطن «بعبء اعتمادي» على الدولة، وفي تحديات لم نقف امامها وقفة إرادة اصلاحية فأنتجت مجتمعة عمالة سائبة (1.1 مليون) نتاج تجار الاقامات، والمزورين والمزدوجين 400 الف. فحل التركيبة السكانية يبدأ من استخدامنا لمواردنا بشكل مستدام، تفعيل تشريعات سليمة تطالب بمصالح وطن لا أفراد، أولها تطهير البلد من العمالة السائبة (1.1 مليون)، تشريع قانون يجرّم تاجر الاقامات من بعد توصيفه، وخلق مواطن واعٍ يدرك مصلحته من مصلحة وطنه؛ ليكون فاعلاً ومنتجاً.

Share this post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


عالية الخالد