مؤتمرات الحوكمة حاجة للوطن أم للبعض؟

عقد مجلس الأمة قبل أسبوع مؤتمر الحوكمة، وانتهى به الى رفع عدة توصيات، منها: «عمل وثيقة للاصلاح الاداري لتطبيق الحوكمة ومكافحة الفساد، تفعيل آلية لمراقبة الجودة بالتشريعات وقياس مدى كفاءتها، دعم أجهزة الدولة الرقابية من خلال استقلاليتها، تعاون السلطات والحد من تداخل اختصاصاتها، تطوير تشريعات جهاز القضاء ودعمه، ونشر ثقافة الحوكمة في المجتمع المدني». وإني إذ أتساءل: لماذا لم يأخذ القائمون على هذا المؤتمر بتوصيات مؤتمر الحوكمة الخليجي الثاني الذي عقد هذا العام تحت رعاية رئيس الوزراء، الذي انتهى الى توصيات مشابهة، لكن اهمها كان «الحرص على ألا يكون تطبيق الحوكمة صورياً»، خصوصاً أن مؤتمر مجلس الأمة استضاف جهات نجحت في تطبيق الحوكمة، مثل البنك المركزي وهيئة أسواق المال اللذين أشارا الى ضرورة بدء التطبيق من الداخل، اي من كيانهما الداخلي ومنه الى جمهورهما (الشركات المساهمة بالنسبة إلى هيئة اسواق المال والبنوك بالنسبة إلى البنك المركزي)، وخلال سنوات بسيطة أثمرت جهودهما نتائج جعلت القطاع المصرفي الكويتي أقوى عالمياً، وجعلت البورصة الكويتية مؤهلة لدخول مؤشر الفوتسي، الذي من الممكن الأخذ بخلاصة تجربتهما لتفادي صورية تطبيق الحوكمة. أيضاً أتساءل: ان كانت بداية السلطتين التنفيذية والتشريعية غير مكملة بعضهما لبعض، فكيف سنحقق توصية «تعاون سلطات الدولة»، التي ذكرت في توصية المؤتمر؟ كيف سيحقق مجلس الامة هذه التوصيات والسلطة التنفيذية لا تبدي تعاونا مع اهم جهاز يراقب قرارات وأوجه صرف مؤسساتها وهيئاتها، وهو ديوان المحاسبة؟ كيف سيتم تطبيق توصية «دعم اجهزة الدولة الرقابية» والحكومة لا تستجيب للمخالفات المرصودة من قبل الديوان بشكل حازم؟ كيف سيكون الدعم لهذه الاجهزة الرقابية وهيئة مكافحة الفساد مكبلة بسبب تدخلات السلطة التنفيذية؟ كيف سيتم اشراك المجتمع المدني في تطبيق الحوكمة وهو يرى المجلس (وهو المسؤول عن مراقبة الحكومة في تنفيذ التشريعات) لا يكترث لعدم تعاون الحكومة مع ديوان المحاسبة؟ كيف سيتم نشر الثقافة بالمجتمع وثقته مهزوزة في السلطتين التنفيذية والتشريعية بسبب ممارسات يراها بشكل متكرر؟ كيف سيتم تطبيق التوصيات، وهي لم تُشر الى ضرورة استقلال القضاء واكتفت بذكر «تطوير» تشريعاته، خصوصاً أن استقلاليته ركيزة اولى للحوكمة؟ التساؤلات كثيرة، إلا أننا يجب أن نعي أن أول خطوة لتطبيق الحوكمة هي المكاشفة والوقوف على أزماتنا بكل حزم وموضوعية حتى نضع المعايير والضوابط الحاكمة الصحيحة التي تصحح الإجراءات والقرارات الحكومية وهيئاتها والسلطتين التشريعية والقضائية، ولتقيس أداءها، ولتحقيق هذه الخطوة علينا بالتشخيص الصحيح ووضع الاهداف الصحيحة لتكون الخطوة واقعية وغير صورية؛ لذلك كنت أتمنى لو بادر المجلس في توصياته إلى البدء بنفسه أولاً حتى لا يترك على نفسه حجة تجاه الشعب والحكومة.

Share this post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


عالية الخالد