“لا.. ليس كفاية!”
“كفاية” كلمة كثيرا ما تتكرر وتتردد بيننا، ومن يرددها غير ملام لما نعانيه من فساد وتدهور وإفلات للأمور التي كان البعض منا بالسابق منتبها لها وحذر من تطورها وتداعياتها، لأنه كان واعيا مدركا لها وهذا خوله ليُكِّون رؤية واضحة جلية للمستقبل. أخافت هذه الرؤية من أخافت، وأقلقت قليلين بالماضي فجعلتهم بالأمس منادين بالحذر والانتباه من عواقب الأمور في المستقبل القريب. اليوم بدأنا نسمع أصوات الجميع تتعالى بكفاية و«أفاتار» صور الملف الشخصي لبرامج التواصل الاجتماعي تحمل كتابات تقول «كفاية» وكنت أنا شخصيا من المنادين الدؤوبين لقول «كفاية» ومحذرة من تبعات ما نحن فيه، لكن أحيانا يتواجد نور في قلب الظلمة، ففي لحظة عصيبة ووقت شديد رأيت مثالا جميلا للعمل المخلص الدؤوب الذي يغلفه الحب للغير وللعمل وللوطن، على الرغم من عجز هذا المثال المجتهد الجميل في مساعدتي أو إيجاده مخرجا لي من الذي أنا فيه. تساءلت حينها «لماذا هي كفاية؟» هي ليست كفاية، نريد منها زيادة، نريد هذا الحب وهذا العطاء رغم الخسارة، فالهدف إخلاص العمل والتفاني وليس النتيجة، فالنتيجة ليست مقياسا لأنها بالغالب تراكمية. هذه المقدمة وهذا المقال أهديه للدكتورة كفاية عبدالملك، دكتورة وحدة العناية المركزة في المستشفى الأميري، هذه الإنسانة التي تجسد كل يوم معنى الإنسانية والتي عانت خلال عملها وواجهت الفساد لكنها لم تتراجع ولم تتقاعس، بل على العكس سخرت نضج تجاربها مع البيروقراطية وقوى الفساد لتكون راية للعمل المخلص لينصب على المرضى وأهلهم. تتواجد هذه الإنسانة بالساعات ترعى من أدخلوا إلى وحدتها ويتعدى تواجدها ساعات عملها وهي لا تكل ولا تمل، تساءلت «يا الله ما هذه الطاقة الجميلة الدافعة التي تحرك هذه الإنسانة لعمل كل هذا وبهذا الاجتهاد المخلص، فأنا أم أتواجد هنا طوال الوقت لابني وأعطيه كل حبي ومشاعري، لكن هي دكتورة وهذا عملها اليومي، فما دافعها؟» اعتقد أنه الحب الصادق الذي يحيي الضمائر ويجعلها متفانية في العطاء والتواجد، وهو الصدق الداخلي الشفاف والصدق في خشية الله الحقيقية غير الزائفة لمرضاته. هي اسمها كفاية لكنها ليست كفاية، نحن اليوم وبحالنا الذي نعيشه نحتاج إلى زيادة من «كفاية الإنسانة» فهي لا تحابي أحدا ولا تفرق بين أحد ولا يهمها سوى تقديم العلاج والخدمة لمن يستحق بما يرضي الله. دكتورة كفاية يعجز اللسان عن شكرك لكل ما قدمتيه لنا من مهنية عمل وعاطفة أم وتواجد إنسان، ولا تكفيك هذه الكلمات المقصرة في حقك إلا أن أحيانا قول كلمة الحق في حق من يستحق يكون لها الأثر في خلق التغيير الذي ننشده، وأنت من الأمثلة الرائعة التي أنجبها وطني والتي نفتخر بها دائما، وتذكري فأنت لست «كفاية» بعملك وبكل ما أعطاك الله من خير، لكن أنت «زيادة» بالخير والحب والعطاء الذي نسعى له لهذا البلد ولمستقبله.
اترك تعليقاً