«موس على كل الروس» إلا «المصَلْعين»!
“موس على الروس” جزء من تصريح صرح به وزير المالية مطلع هذا العام للدلالة على جدية الحكومة في تطبيق سياسات التقشف والترشيد على المواطنين من بعد هبوط أسعار البترول، وان هذا الامر لا مفر منه، وان الفرد يجب ان يساهم ويتفهم وضع البلد الاقتصادي. وتبع هذا التصريح اخبار اقتراض الحكومة مبلغ 55 مليار دولار لسد تكاليفها ومصاريفها المستقبلية، وان مسودة قانون الدين العام للدولة جرت مراجعتها من قبل البنك المركزي ووزارة المالية، وأنها حالياً امام الفتوى والتشريع.
وعلى اثر كل هذا العزم في التطبيق جرى رفع أسعار البنزين على المواطنين لتوفير 150 مليون د.ك سنوياً، وسيتبعه قريباً زيادة في أسعار الكهرباء والماء وتعديلات اخرى تخص سلع التموين وخدماته. مقابل كل هذا نجد موافقات لجنة الميزانيات على بند مصروفات ضيافة لوزارة الاعلام بمبلغ مليوني دينار، وإعادة تأثيث مكتب وزير الخارجية بقيمة 47 الفاً، و42 مليار دولار منحا لدول العالم، و215 ألف شراء حقوق نقل فعاليات إعلامية للقرية المائية والمقامة لمدة شهر واحد فقط، وتكلفة 6400 شخص غير مستحق للعلاج بالخارج بقيمة لا تقل عن 150 مليون دينار، و15 مناقصة للأشغال بقيمة 975 مليون دينار، وملايين مستحقة للدولة لم تتم متابعة تحصيلها من جهات رسمية، وغيرها من المصاريف الحكومية المتضخمة لأمور مستحقة وغير مستحقة.
بالاضافة لما سبق ومن جهة اخرى، فإننا نجهل مصير فوائض ايرادات الدولة بقيمة 129 مليار دينار من عام 2000 الى 2014، ونجهل كذلك أسباب رفض الحكومة لقرارات مثل ترحيل العمالة الهامشية التي تستنزف طاقات وموارد البلاد من دون انتاج او اضافة، وفرض عمولات على التحويلات الخارجية للوافدين التي تبلغ تقريبا 11 مليار دينار سنويا، ورفع قيم الايجارات على المستثمرين المستغلين لاراضي املاك الدولة، الذين يستخدمونها لأغراض تجارية بحتة ويقومون بتأجير مَحَالِّها على الأفراد بأسعار السوق، ورفض برنامج الشرائح الاستهلاكية للماء والكهرباء الذي يسهم في تقنين الاستهلاك والترشيد، ورفض فرض ضرائب على الشركات الكبيرة، والحد من تجارة الإقامات، وتقليص اعداد المستشارين ومميزاتهم وغيرها من القرارات والخطوات التي تسهم في التوفير، وإيجاد مصادر اخرى للإيراد.
من السابق ذكره نستنتج التالي: ان الحكومة باتجاه تطبيق سياسات رفع الدعوم بسبب الوضع الاقتصادي للدولة (وهو الامر المستحق اذا كنّا كشعب نريد مستقبلاً واستدامة للكويت – وهذا مبحث آخر) من جهة، وتتجاهل وقف الهدر الحكومي وغيره من الجوانب التي يمكن لها ان تطبق بالتوازي مع آلية رفع الدعم، من جهة اخرى.
وان صحت قراءتي السابقة للامور، فعلى الحكومة ان تتقبل ردود الأفعال الشعبية الساخطة والغضب الشعبي تجاه هذا التطبيق المتخبط لرفع الدعم الذي يراه الفرد مجحفاً بحقه، فهو مكبد بمصاريف أساسية، مثل تضخم الأسعار للمواد الغذائية والاستهلاكية والعقارات وقيم الإيجار؛ وهو كذلك لا يتمتع بمستوى تعليم وصحة جيد فيضطر للتوجه للقطاع الخاص (وكل ذلك بسبب الفساد وسوء ادارة الدولة المتعاقب على مضي عقود)، ثم تأتيه الحكومة وتطالبه بالمشاركة بالاصلاحات الاقتصادية، وهي لا تحرك ساكناً في الهدر الكبير من جانبها، كما أشرنا اليه سابقاً. فمن الطبيعي ان يثور الفرد ويسخط اذ ما حملته اعباء مالية إضافية، وهو يرى الفساد الاداري والسرقات والاختلاسات، ويسمع رفض الحكومة للمقترحات الاخرى التي يمكن لها توفير وترشيد المال العام وتقنينه.
لهذا ندعو الحكومة ان تعيد حساباتها وتوجد آلية عادلة ومتوازنة تعمل على طرفي الاصلاح الاقتصادي، اي التوفير والتقنين، لتنفيذ سياسات رفع الدعم لتضمن مشاركة الشعب بهذا الامر، لا غضبه وعداوته، من بعد ما تحفظ استقرار الفرد ولا تجهده مادياً بشكل كبير يؤثر في استقراره المعيشي والنفسي لكون القضية ليست في رفض الإصلاحات، لكن في آلية تطبيقها وأولوياتها. فالموس، الذي أتى بذكره الوزير، يجب ان يكون على رؤوس الجميع، والحكومة ووزراؤها من باب أولى وقبل المواطن، الا اذا رأت الحكومة انها حكومة «مصلعة» فهنا لا موس ولا غيره سينفع معها، وستبقى الحال كما هي ان لم تَسُؤْ أكثر.
اترك تعليقاً