غمّض عينك
من بعد انتشار تغريدات عَرضَتْ إعلاناً حقيقياً يتشكّر فيه صاحبه من نائب بمجلس الأمة لتعيينه مديراً بإحدى الدوائر الحكومية، ثار الكثير من الشباب المغبون، الذي بدأ بالتعبير عن همومه وظلمه في بلده، منهم من تطرق إلى الصندوق الملياري الذي تم رصده للشباب والمشاريع التنموية ومن ثم اختفى، ومنهم من تطرق إلى احتياطي الأجيال الذي استُخدم جزء منه أخيراً وبفترة تزايد به الفساد بشكل كبير بالبلاد. في خضم كل ذلك، وخلال قراءتي لكل تلك التغريدات، تساءلت وقلت لنفسي: ماذا لو أعطي هؤلاء الشباب الآن فرصة لتولي منصب حيوي يتيح لهم الاستفادة من موارد متعددة بشكل مباشر وغير مباشر؟ ماذا سيفعلون؟ وحتى نستطيع أن نحكم بحق، فلنغمض أعيننا لدقائق ولنتخيل المشهد السابق ونحن متجردون من كل العواطف والمثل. تخيل، هل سترفض تمرير معاملة أمر بها من هم أعلى منك منصباً وترفض نسبة (حلاوة) مقدمة لك، لأمر غير قانوني أو غير منصف تجاه الشعب، ولكنه أمر واقع، لمجرد أنك ستنفذ مبادئ يتحدث بها فرد ليس في منصبك؟ هل سترفض معاملة وحلاوتها وتتعرض للتفنيش (تجميد، نقل، تقاعد.. إلخ) لمجرد أن المعاملة غير قانونية أو غير منصفة؟ هل ستمتلك القدرة والقوة حينها لتطبق ما تدعيه الآن، خصوصاً ونحن في هذه الظروف، أي بعيدون عن المنصب؟ هل ستستطيع مواجهة نظام إداري اعتاد معظم موظفوه على الفساد؟ هل تستطيع مواجهة ثقافة عاشت عليها الإدارات لسنوات طويلة تقتات على مناقصات من هنا وهناك؟ هل تستطيع مواجهة أفراد تعلموا أن رزقهم بالمناقصات والمعاملات غير القانونية وليس برواتبهم؟ فلنغمض أعيننا ولنكن شجعان أمام أنفسنا.
الإصلاح ليس بالكلام، ولكن بالوعي والإدراك لعمق الأمر وتعدد جوانبه واختلاف تبعياته، فكم من شخص ادعى الإصلاح وبنية سليمة وفشل؟
إن هدف هذه المقالة ليس لتبرير أفعال أحد، ولكن لإدانتهم ولإثبات عمق وفداحة نهج الفساد الذي يتبعونه والذي يتسترون عليه منذ عقود مضت. فحتى المصلح صاحب النية الحسنة سيقف عاجزاً أمام فساد إدارات الدولة، لكونها شبكة متداخلة تكوّن بؤرة فساد لا يستطيع إزالتها إلا قرار ونية، وليضع الخطة والنهج الإصلاحي للتنفيذ على يد الصالحين من أبناء الوطن. لهذا أقول: «غمّضوا عيونكم وحاولوا تشوفون الصج بكل تجرد وواقعية»، حتى ندرك ما نريد وما نطالب به!
اترك تعليقاً