الانتقام الفساد
في تصريح لرئيس محكمة الاستئناف المستشار محمد بن ناجي في جريدة القبس (2015/4/19) أشار إلى أن المحاكم أصبحت ملجأ للكثيرين للانتقام، وأن أصحاب هذه القضايا مستعدون للانتظار عامين بالمحاكم، غير مكترثين بالخسائر المالية التي قد تصيبهم جراء هذه القضايا. وقد أوضح أن هناك قضايا ترفع بسبب يوم غياب، وأخرى بسبب قيمة 3 دنانير.
أعتقد أن المستشار قد طرح موضوعاً حساساً، وله دلائله بالمجتمع، مثلما لمسه هو بالمحاكم. فقضية الانتقام من خلال القضايا والمحاكم تعكس مشكلة أكبر، وهي انتشار وتفشي الظلم بشتى أشكاله وأنواعه. فشعور الفرد بالظلم في قضايا أكبر تجعله يركز على توافه الأمور ويراها كبيرة، لكون وقعها في نفسه ليس كشكلها العام البسيط كثلاثة دنانير أو يوم واحد غياب، ولكنها تشكّل له موضوع حق. فانتشار الفساد بالبلد حتماً سيؤدي إلى انتشار الظلم، لكون الفساد فيه هضم للحقوق، والمنطق يقول إن ملجأ الفرد لأخذ حقه هو القضاء، فإن كان شعور الفرد بأنه مُغتصب الحق وأنه مظلوم بأمور لا حول ولا قوة له فيها تجعله عدوانياً غير متسامح، فإن هذه القضايا تصبح متنفساً له، ومحاولة منه لتعديل كفتي الميزان التي يراها غير متكافئة.
في المقابل، نرى من يردد «ماذا يريد الشعب أكثر، والحكومة تتكفله من المهد إلى اللحد؟»، وأجيب بأن الفرد يريد بالدرجة الأولى المساواة، وما يندرج للفرد من حقوق تبعاً للقانون من بعد المساواة. أما أن يكون الفساد متفشياً، والحقوق غير متساوية، وحكم المساواة غير مطبق، وتقوم الحكومة بصرف بدلات وخدمات ومنح وخلافة من الأمور لتهدئة الأمور، فهذا يسمى تخبطاً وممارسة ظلم مباشر للفرد.
لذا، فأنا لا أستغرب تصريح المستشار، وأنا على يقين من أن كل مسؤول يستشعر الأمر نفسه من موقعه، كذلك لا أستغرب تراكم القضايا بالمحاكم بشكل متزايد كل سنة، مما ينعكس سلباً على القضاء وأدائه، فمتى سيحين الوقت لدحر الفساد وتطبيق المساواة لرفع الظلم والمظالم؟
اترك تعليقاً