نحن والأشياء والأفكار

علينا اعتماد الفكر والثقافة كأساس لاهتماماتنا، وأن نقدِّر الفكر والبحث.

من خلال قراءتي كتابَ «مشكلة الأفكار» لمالك بن نبي، استوقفتني الفقرة التالية: «عندما يتمحور عالم الثقافة حول الأشياء تحتل الأشياء القمة في سلم القيم وتتحول ـــ خلسة ـــ الأحكام النوعية الى احكام كمية من دون ان يشعر اصحاب تلك الأحكام بانزلاقهم نحو الشيئية»، وفيها استذكرت حالنا ووضعنا الثقافي خاصة بمستوى بعض الكتب والمؤلفات الهابطة التي قدمها بعض الشباب الكويتيين في معرض الكتاب الأخير، والضجة التي ملأت اروقة المعرض بسبب جلسات التواقيع.
لا أحد يختلف على أننا نعيش أزمة فكرية ثقافية بسبب انغماسنا في الشكليات والماديات (الكماليات)، فالشكليات تعد من الأشكال المادية الكمية الخالية من القيمة المعنوية الهادفة التي نحتاجها جدا لتطور مجتمعنا. كما أن لا أحد يختلف على أن نهضة أمة تعتمد على منتوج الفكر الذي تنتجه ومستوى هذا المنتوج وقيمته من حيث الإضافة. لهذا، لا يمكننا لوم هؤلاء الشباب المنساقين وراء الشكليات، فهذه الفئة ترعرعت في بيئة تعزّز الشكليات المادية اكثر من الأفكار النوعية ذات القيم. فالفرد نتاج لبيئته والبيئة نتاج لافكار أفرادها، فالعلاقة بين الفرد والبيئة علاقة تسلسلية تبعية دائرية الشكل، وهنا ندرك مدى حساسية ترابط عنصري الفرد والبيئة وقوة العلاقة بينهما.
من جانب آخر، نجد أن تهافت بعض دور النشر الكويتية على هذه المؤلفات الهابطة، سواء بالنشر او التوزيع او البيع، لهو تهافت مادي بالدرجة الاولى، يخلو من القيم الفكرية. ولكن هل يمكننا فعلا لوم دور النشر على قبولهم لنشر هذه المؤلفات؟ ولكي نستهدف السبب الرئيسي، لا اعتقد دور النشر هي المتسبب الأساسي لهذه المشكلة، فحالها حال الشباب وظروفهم، فهم يتعاملون من بيئة تكوّنت على أفكار، شارك في بنائها أفراد هذا المجتمع.
فإذاً، أين يكمن الخلل؟ أعتقد أن الخلل يمتد لعقود مضت، فالنهج العام الذي اتبعته الأجيال السابقة ـــ من بعد ظهور النفط على وجه التحديد ـــ اعتمد على المظاهر والشكليات، كما ان الحكومة عززت ذلك من خلال تكوين دولة ريعية. فالفرد الكويتي اصبح يهتم بالشكليات، لكون حاجاته الاساسية للعيش متوافرة، هذا الترف بالعيش أثر في عمل العقل في التفكر وأهبط من عزيمة نفسه على تحدي الحياة ومشاكلها. وعلى هذه الحال ترعرعت اجيال متعاقبة، واختلط أمر الترف بالعيش مع تجنيس أفراد لا يتمتعون بأي عناصر اضافة للمجتمع! فاليوم هو نتيجة الأمس، وان ما أردنا تجاوز هذا الوضع فعلينا أولا بكف الانتقاد والتمحور عليه، والبدء بانفسنا من خلال اعتماد الفكر والثقافة كأساس لاهتماماتنا، وان نقدر الفكر والبحث عن الآراء والمؤلفات العميقة ذات الإضافة، وان نبدأ بتحليل ذلك بعقولنا لتنشيط الفكر بعقولنا المتصدِّئة؛ علينا سقي هذا المنهج لأبنائنا، وفتح باب الحوار في الأمور الفكرية ذات القيم من دون تحديدها بعرف او تقليد، علينا بالمطالبة بهذا المستوى، لكون أفراد المجتمع اليوم هم المجتمع ذاته غداً

Share this post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


عالية الخالد