أنانية

لماذا سادت الأنانية في مجتمعاتنا؟ وهل هناك دور للأنظمة في ذلك؟ إنها صفة تحرق صاحبها، لأنها لا تراعي إلا مصلحته فقط كما يراها!
في إحدى فترات السكون والتفكر مع الذات، استفسرت عن معنى الأنانية. وبدأت أبحث عن معانيها المختلفة من عدة مصادر، فلفت انتباهي التعريف التالي: «الأنانية هي الفردية الشرسة وحُب التملك والغيرة الجنونية التي تدفع الإنسان إلى إرادة السيطرة على أملاك الغير من دون حق، فيدرج من الأنانية أشياء كثيرة، منها حُب الاتكالية والاعتماد على الغير وإراحة النفس والصعود على ظهور الآخرين وأكتافهم بضمير ميت ومن دون مُبالاة»، والأنانية، أيضاً، هي رغبة «ذاتية للاستحواذ على حاجات الغير، وتريده لنفسها فقط وتحرّمه على غيرها». وأكثر ما استوقفني في هذا التعريف هو الكلمات التالية: فردية، حب تملك، غيرة، سيطرة، اتكالية، صعود على أكتاف الآخرين، ضمير ميت وتريده لنفسها وتحرّمه على الغير. إذا ما تمعّنا في هذه الكلمات بعيداً عن التعريف، فإننا سنلاحظ أن هذا، للأسف، سلوكنا في مجتمعنا، وأصبح الأصل في التعامل. كذلك، نراه يمتد إلى ثقافات أغلب الدول العربية والإسلامية، ونجدها أقل ظهوراً أو تواجداً في المجتمعات المتقدمة، سواء في دول الغرب أو الشرق. يمكننا أن نعزو ذلك إلى تراجع الثقافات المجتمعية لدينا، أو سلطة النظام في بعض الدول العربية والإسلامية، والتي أجبرت الفرد على مبدأ «اللهم نفسي»، لأنه يريد أن يعيش ويتنفس في ظل خنق السلطة الممارس عليه.
ولكن إذا نظرنا إلى هذا التعريف من زاوية أخرى، وهي زاوية تنظر إلى الفرد نفسه عندما تتعارض مصالحه مع نفسه، وليس مع الغير، فماذا يمكن أن يكون حاله؟ ما هي أولوياته؟ هل يستطيع تحديدها؟ هل يملك القدرة على اتخاذ القرار الصائب؟! حتى نقرب الموضوع للقارئ، ماذا لو تعارضت مصلحة الأناني مع ابنه، فهو يعتبر ابنه ملكاً له ومصلحته تشمله، ولكن في الوقت نفسه الابن مستقل عن أبيه، فماذا يمكن أن يكون خيار الأناني هنا؟!
كثير هم من نادوا ورددوا كلمات جبران خليل جبران عندما دنت منه امرأة تحمل طفلها على ذراعيها، وقالت له: هات حدثنا عن الأولاد.
فقال:
“أولادكم ليسوا لكم
أولادكم أبناء شوق الحياة إلى ذاتها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم.
ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم.
أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكاراً خاصة بهم.
وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادهم.
ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم.
فهي تقطن في مسكن الغد الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم.
وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم.
ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم.
لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء، ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس.
أنتم الأقواس وأولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة عن أقواسكم.
فإن رامي السهام ينظر العلامة المنصوبة على طريق اللانهاية، فيلويكم بقدرته لكي تكون سهامه سريعة بعيدة المدى.
لذلك، فليكن التواؤكم بين يدي رامي السهام الحكيم لأجل المسرة والغبطة.
لأنه، كما يحب السهم الذي يطير من قوسه، هكذا يحب القوس الذي يثبت بين يديه، ولكنهم في واقع الحال بعيدون كل البعد عن معنى الكلمات”.
فعلاً، أتفكر في حال الأناني في حالة تعارض مصالحه مع نفسه، فالأنانية كالغيرة تحرق صاحبها إن لم تجد شيئاً تحرقه

Share this post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


عالية الخالد