الثقافة في عامي 1957 و2013

في كتاب «شروط النهضة» لمالك بن نبي، استوقفتني فقرة (في ص130) التي اود ان اشارككم اياها، لما فيها من عمق معنى لمسني:
يقول: «صدرت اخيراً بعض الاوامر في مدينة موسكو نقلتها الينا الصحافة بتاريخ 1957/8/3 تلزم سكانها بأن يراعوا نظافة مدينتهم، فهم مهددون بفرض غرامة تبدأ من 25 روبلاً الى 100 روبل على كل من يبصق في الشارع او يلقي بأعقاب السجائر على الرصيف او يعلق ملابسه في الشباك المطل على الشارع او يعلن اعلانات على الحوائط، وايضا كل من يركب السيارات العامة بملابس العمل المتسخة»، ويكمل الكاتب: «فلو اننا سألنا عمدة موسكو مثلا عن السبب الذي دعا لمثل هذه الاجراءات لاجاب بانه «النظام» ويجيب طبيب من وجهة نظره بأنه «الصحة» وثالث فنان يذهب الى انه «جمال المدينة». وكل اجابة من هذه الاجابات صادقة بوصفها سلوكا يمليه عليه وضع «خاص بكل فرد» ولكن جميع هذه الاجابات لا تكون صادقة الا لانها «تعبر عن سلوك عام عكس الثقافة التي نتصورها في شكلها الاعم» والذي سميناه في تعريف الثقافة بـ «المحيط العام».
اذا ما تمعنا بالاسباب المذكورة اعلاه وهي «النظام، الصحة والجمال»، وهي اجابات صادقة بوصفها سلوكاً يمليه وضع خاص بكل فرد يعبر عن سلوك عام يعكس الثقافة!» هنا نجد الاسباب الخاصة بكل فئة تعبر عن رأيها وتفسر القرار بزاوية اهتمامها، لتصب مجمل هذه التفسيرات بمختلف زواياها في مصب واحد وهو التطور والتحضر في سلوك عام لمجتمع يشكل ثقافته العامة.
حالنا في عام 2013 ضربنا القضاء، خرقنا القانون، تصايحنا بالاماكن العامة، تجمهرنا من غير تراخيص بحجة الحرية والمطالبة بالكرامة، افتقدنا لغة الحوار، تطاولنا على اسس ورموز مصونة لدينا كاحترام علم الدولة والنشيد الوطني وسواهما.
للاسف ثقافتنا في عام 2013 تعلمنا فيها ان نقول «نطالب» و«حقنا» ولكن يبقى منظورنا قاصرا في حدود المصلحة الخاصة التي لا تشمل باجتماعها على تشكيل المسلك العام الناهض بثقافة مجتمع.
كيف تكون لنا كرامة من غير ان تكون لنا ثقافة؟ الثقافة عبارة عن محيط من السلوكيات الخاصة التي تعكس بمجملها السلوك العام المتسق والمتجانس، لذلك تظهر اهمية وحيوية القانون الصحيح والحوار الصادق والرأي العام المحترم.
بدأنا نطالب بأمور ونحن نفتقد امورا اهم تشكل اساس المطالبة، فمتى ما ارتقينا بسلوكنا ارتقينا بمطالبنا وبالتالي بثقافتنا، وهي التي تشكل حضارتنا.
فهل هذه المعادلة صعبة الفهم علينا لتطبيقها؟!

Share this post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


عالية الخالد