فاتورة مستحقة الدفع
تردي الحال والأوضاع الراهنة، ما هي إلا فاتورة حان موعد استحقاقها لأعمال وقرارات حصلت واتخذت في عقود مضت. في تلك السنين تمت المباركة والموافقة على أعمال خدمت فئات محدودة معينة على حساب الكويت وشعبها، وتكمن مصيبة هذه الأعمال في أن آثارها السلبية كانت ذات طبيعة متراكمة، أي انها كلما استمرت تراكم أثرها السلبي بشكل يصعب تصحيحه، ومن أهم هذه الأعمال التي تشكل أسس مشاكلنا الآن:• التجنيس العشوائي الذي حصل في أواخر السبعينات، والذي ضرب بقانون التجنيس عرض الحائط، وتم تقديم الجنسية لأفراد لا يستحقونها على حساب الأفراد المستحقين لها، وهذا بهدف تحقيق مصالح أفراد معينة. هذا تسبب في زعزعة الولاء تجاه الكويت (من قبل الفئة الحاصلة عليها من دون وجه حق)، وزرع الظلم والقهر في صدور من يستحقونها، وبالتالي تولّد الغضب لديهم، والنتيجة الأعظم وضع الكويت بصدد مشكلة إنسانية من الحجم الكبير، تتفاداها الحكومات الأخرى الواعية لمصلحة بلدها وشعبها.• مباركة الفساد على مدى ثلاثة عقود منصرمة وأكثر، سواء بالرشاوى والمحسوبيات او بكسر القانون والتلاعب به، والذي وصل في بعض الأحيان إلى حد وضع قوانين وقتية مشبوهة لضرب قوانين أخرى. السكوت عن هذا الأمر ومباركته أديا إلى تعزيز ثقافة الفساد وكسر القانون، حيث وجد الفرد أن حقه بالقانون سيُسلب ويُبخس، وأنه إن ما تجاوز القانون أنهى أعماله وأغراضه بسلام. كذلك وجد البعض أن المنصب الذي يتولاه هو فرصة لا تُعوَّض للتكسُّب الشخصي على حساب الدولة والبلد والشعب. هذه الثقافة للأسف أصبحت الآن متفشية بين أجيال يانعة صغيرة بالسن، هذه الثقافة عززَّت عدم الإنتاج وعدم احترام العمل وتطبيق منهج «اللهم نفسي». كل تلك الأعمال التي حصلت على مضي سنوات وعقود، من الطبيعي أن يأتي لها يوم لتستحق فاتورتها من بعد ما استفادت منها واستخدمتها فئة صغيرة وانتفع منها من انتفع، ولكن للأسف أتت الفاتورة للكويت لتدفعها، أتت لشعبها من الطبقة البسيطة ليدفعها، قيمتها كبيرة وثقيلة، والصياح عليها كثير، وإلقاء الملام أكثر. إني لأعجب ممن يصيح ويتذمر الآن من تردي الوضع، وهو كان مشاركا في تلك الفترات، ومتسببا في تلك الأعمال ومساهما فيها ومستفيدا منها. إني ألوم أكثر كل من انجرف وراءهم بسذاجة، مطالبا بمطالباتهم، متناسيا أنهم كانوا أسبابا رئيسية فيها، ألومهم وألوم كل من استفاد، وكان له الأمر والقرار، وكل الحكومات المتعاقبة بتلك الفترة. للأسف أتت الكويت فرصة ذهبية كانت فيها الوطنية عالية وروح الولاء في أوجها بين أفراد الشعب، وهي فرصة فترة ما بعد تحرير الكويت، إلا أنها لم تستغل، وتم إهمالها لأسباب الأعمال السابقة نفسها، ألا وهي الانتفاع الشخصي. متى سنعي؟ متى سنستوعب أننا كلنا ملامون على ما فات وعلى ما سيحصل؟
اترك تعليقاً