هدف نظام

ما شهدته وتشهده الساحة العربية من ثورات وانقلابات على الحكم هو رد فعل طبيعي من الشعب الذي يعبر عن عدم رضاه عن أحواله وأحوال بلاده، فأي فرد في أي دولة بنظامها يسعى إلى الاستقرار بأشكاله كافة، والاستقرار يعني استقرار معيشته، وتوافر الأمن، وتحقيق العدالة والمساواة، وهذا لا يحصل إلا بتحقيق تطبيق للقوانين التشريعية للبلاد، محاولات أي نظام للقمع أو القهر بسلاح القوة والرهبة قد تجدي نفعاً، لكن لفترات قصيرة، ولكن من المؤكد عدم استمراره واستقراره، فالنظام الذي يعتمد على القهر والقمع تكون أهدافه خاصة وليست عامة، بمعنى أن أجندته تصب في تحقيق مبتغيات تشمل عدداً بسيطاً من الأفراد، دوناً عن أفراد الشعب عامة، وفيه يتفشى الفساد والظلم اللذان يولدان القهر لدى الشعب. أما النظام الذي تعتمد أجندته على تحقيق مبتغيات عامة تشمل الدولة والشعب في نظم مستقرة مثمرة يعيش الفرد فيها برفاهية ورضاء، فهذه النظم تستمر بإرادة الشعب لا بالقمع. الساحة الخليجية والعربية والعالمية مليئة بالأمثلة الإيجابية التي تعكس معنى ذلك، ففي الكويت، كان الأمير الراحل عبدالله السالم الصباح، رحمه الله تعالى، في الستينات صاحب رؤية شمولية احتضنت الدولة والنظام والشعب لبناء دولة معاصرة، وهذا ما فعله الشيخ محمد بن راشد في دبي في التسعينات. أما على المستوى العالمي، فهناك رئيس الوزراء الألماني بيسمارك، الذي سعى إلى وضع أسس دولة حديثة، أساسها الدولة بشعبها، التي تضمن استقرار الشعب وتحديد حقوقه وواجباته، في فترة انتقال ألمانيا من مملكة تحكم من قبل ملوك بروسيا إلى دولة ديموقراطية حديثة، وهو ما رأيناه يحصل مع إبراهام لنكولن في الولايات المتحدة، وتحريره للزنوج من الرق والعبودية، لإيمانه بأن الحرية ورفاهية الشعب هما مصدر الاستقرار والنمو للدولة، من خلال نظام عادل وليس ظالماً. أي نظام في العالم، مهما كبر أو صغر، أو مهما زاد أو نقص غناه، لا يستطيع الاستمرار من غير استقرار شعبه، وتوفير سبل المعيشة الأساسية له، ومن غير أن يكون الشعب هو الهدف الرئيسي له، من خلال سن القوانين، وتحديد الحقوق والواجبات، وتطبيق كل ذلك وتنفيذه في جو عام من العدل والمساواة اللذين يضمنان المنفعة للشعب عامة، وليس لفئة قليلة من المتنفذين، ويجب أن يتمتع هذا النظام بالقوة الكافية لتطبيق القوانين والحقوق والواجبات.

Share this post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


عالية الخالد