سيعود الإسلام وسينتصر

شهر يوليو كان زاخرا ببعض خطب الجمعة التي أثارت ضجة داخل الكويت وخارجها، فاحدى هذه الخطب اشارت الى امم كفر نهشت في جسد الاسلام في بدايات القرن الماضي، وتم تفريخ اذناب لبعض تلك امم الكفر في امتنا الاسلامية، بسبب ضعفنا وهواننا، وسبب ضعفنا وهواننا هو ابتعادنا عن ديننا، وهذا ما مهد وهيأ الأرض الخصبة لحياكة المؤامرات ضدنا، كذلك تمت الاشارة الى حركات فكرية انبثقت من حركات دينية اخرى، وتم اتهامها بالكفر، وتم ذكر أفعالها التي صنفت بانها أسوأ من جرائم الصهاينة، وأسوأ من جرائم المستعمر الكافر لنا في بدايات القرن الماضي، وان عروبة الجاهلية افضل منها، وان الانسانية بريئة منها ومن تصرفاتها!نعم نحن أمة في ضعف وهوان، ونعم نحن مبتعدون عن ديننا، ولكني تمنيت من شيوخنا الافاضل لو تم طرح هذه الامور بموضوعية تشير الى معنى الضعف والهوان وتحدد اسبابهما، وتعرف معنى جملة ابتعادنا عن الدين وتحدد اسبابه واشكاله ان كان المبتغى فعلا النهوض بديننا والارتقاء به. ومسألة وضع اللوم على نظرية المؤامرة لا تجدي نفعا، وتعتبر عقيمة لكونها تؤجج الانفعالات السلبية لا غير، خصوصا ان أردنا ان ننظر إلى فعل المؤامرة، فانه يحتوي على ثلاثة عناصر: «المتآمِر، موضوع المؤامرة، المتآمَر عليه»، ونجاح المؤامرة يعني قبول المتآمر عليه بها لاسباب جهله وقلة حيلته بأمره، خصوصا ان استمرت هذه المؤامرات لعقود، من جانب آخر استخدام كلمات تعتبر مسيئة لشعوب وفئات وحركات وافراد وتكفير هؤلاء بشكل متعصب وتشدد ديني هو ما يعطي المتشددين المسيحيين واليهود الفرصة ان يصفوا ديننا الاسلامي بدين العنف والكراهية، وكلنا نعلم ان ديننا بريء من كل هذه الاتهامات، ولكن يبقى غير المسلم له ما يسمع ويشاهد. “ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم”، (البقرة: 120)، «ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا»، (البقرة: 217)، ولكن هذا لا يعطينا الحق في تكفير وتصنيف من نشاء وفق ما نشتهي. في الكتاب الحكيم نفسه هناك آيات أخرى تؤكد حسن التعايش: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون»، (المائدة: 8)، «فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين»، (التوبة 7)، وفي المعنى نفسه، قال الشيخ صالح الفوزان – عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية – في مقال له في جريدة الرياض بعنوان «الولاء والبراء» بتاريخ 2009/5/26: «التسامح مع الكفار والمشركين معناه كف الأذى والعدوان، وبذل النصح والوفاء بالعهود، واحترام دم المعاهد والمستأمن والكافر والتعامل معهم بما أباح الله في البيع والشراء والمعاملات التجارية»، الآيات 19 ــــ 23 من سورة الرعد: «أفمن يعلم انما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب، الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءُون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار»، تكلم عن معناها الشيخ أحمد الكبيسي من خلال موضوعه عن أولي الألباب المتقين بتاريخ 2011/7/23 في برنامج «صباح الخير يا عرب»، وأوضح ان اساس التقوى يكمن في توحيد الله وعدم نقض الميثاق، والميثاق يشمل جميع المواثيق الربانية، ومنها الإيمان بكل الأنبياء والرسل والكتب، كما أتى بآخر آيتين من سورة البقرة، ولهذا السبب كنا «خير أمة أخرجت للناس»، (آل عمران 110)، لكوننا أمة تؤمن بجميع الديانات السماوية، ورسلها، وبهذا ميزنا الله سبحانه عن باقي الأمم بهذا الميثاق، لكن هذا يتطلب أولي ألباب أي أصحاب حكمة وعقل ورجاحة ومنطق، والذين هم “يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب”.منابر المساجد وخطبة الجمعة وضعت للنصح العام، وافشاء الحب والمحبة والحث على فعل الخير بالتي هي أحسن، وليس بتأجيج المشاعر وملء القلوب بسلبيات نتاج ماض قد ازف، فشلنا وقتها في حفظ أمتنا وديننا، ولكن يبقى لنا الآن الخيار مجددا ما اذا كنا نريد الرفعة لديننا ولأمتنا، فان كنا نريد ذلك، فعلينا بالدراسة العلمية العملية التي تستند إلى الدين وروحه وسماحته وتحكيم العقل الذي وهبنا الله اياه، وميزنا به عن باقي المخلوقات وليحاسبنا به يوم الدين، علينا ان نتقبل الرأي الآخر من أبناء أمتنا ومحاولة فهم رأيهم ووجهة نظرهم وليس صدهم، علينا بمقارعة الحجة بالحجة واستخدام المنطق لنكون فعلا أمة محبة متحابة تدعو للموعظة بالتي هي أحسن، وليس من خلال مقولات «سيعود الإسلام وسينتصر الإسلام» من دون آلية.

Share this post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


عالية الخالد