حتى ننهض

العلم والثقافة يعتبران من العناصر غير الساكنة التي لا يمكن لها ان تبقى بمكان او زمان معين. تجد انه على مضي تطور الحضارات السابقة، العلم والثقافة كانا عنصرين اساسيين لتطور وانتاج حضارات جديدة ولانتقالها لمجتمعات حديثة كانت او قديمة، حيث يتم تنقيح وتقليم العلم والثقافة المستقاة لتناسب هذا المجتمع الطالب للتحضر. هذا ما شهدناه في الحضارات الرومانية والصينية والعربية الاسلامية وغيرها من الحضارات. دور الفيلسوف والقاضي والفقيه العربي ابن رشد في نهضة الحضارة الغربية وتطورها كان كبيرا جدا، من بعد ان ترجم الغرب شروحاته الشارحة لفلسفة ارسطو، والتي امر بشرحها الخليفة ابو يعقوب يوسف في اوائل القرن الحادي عشر الميلادي، لتكون بذلك احدى بذور التطور والتحضر للحضارة الغربية وفلسفتها كما نشاهدها اليوم. وكعرفان منهم سمي ابن رشد بالشارح من قبل الغرب، وذلك لجدارته في شرح تلك الكتب بفكر فلسفي عميق ذي اتصال واقعي.رجوعا للقرن التاسع الميلادي كانت شكوى القسيس الفارو بارزة والتي قال فيها: «ان اخوتي المسيحيين تعجبهم القصائد والقصص العربية، ويعكفون على كتب علماء العرب ليس بغرض دحضها، بل حتى يكتسبوا اسلوبا عربيا سليما. اين يوجد اليوم مسيحي غير قسيس يقرأ التفسيرات باللاتينية للاسفار المقدسة، بل اين من يدرس الانجيل؟ واحسرتاه! ان المسيحيين الشباب الابرز مهارة لا علم لهم بأي ادب ولغة سوى العربية، نراهم يقرأون الكتب العربية بنهم ويجمعون في مكتباتهم المجلدات العربية مقابل مبالغ هائلة من المال ويمدحون التراث العربي في كل مكان. للأسف! ان المسيحيين قد نسوا لغتهم الام وبالكاد نجد واحدا بالالف منهم يستطيع ان يحبر رسالة الى صديقه باللاتينية! لكن في ما يتعلق بالكتابة بالعربية فكم منهم يقدر على التعبير عن افكاره وآرائه ومشاعره بتلك اللغة بغاية الرقة والذوق.”*لم يدرك القسيس الفارو حينها ايجابية هذا الاطلاع والانغماس في حضارات الغير لتطور حضارته، لانه ارتكز على رؤية احادية غير متعددة الابعاد. رجوعا الى قرننا المعاصر نجد هناك كثيرا من الاصوات التي تشابه في مطالبها مطالب القسيس الفارو وإن اختلفت الكلمات والمصطلحات ولكن يبقى المعنى واحدا. فهم شديدو التمسك بالموروثات الثقافية الفكرية حتى وصلوا لحد خشيتهم عليها من التعرف والاطلاع الخارجي. قد لا تعي هذه الاصوات ان تطورنا وتحضرنا ينادي بضرورة الاستقاء الخارجي واخذ الصالح منه كما امرنا ديننا الاسلامي «الحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها اخذها» وحديث الرسول عليه الصلاة والسلام «اطلبوا العلم ولو في الصين»، وان حفاظنا على موروثاتنا الفكرية الاصيلة يكون باطلاعنا وفهمنا العميق لها وتنشئة ابنائنا عليها بشكل جاذب تملأه روح الابداع والتخيل. ما احوجنا اليوم للتقدم والتطور، وما احوجنا للقراءة والاطلاع على شتى صنوف العلم، خصوصا الثقافتين الغربية والشرقية. نعم لدينا موروثنا الفكري الثقافي السابق الاصيل والذي بنيت عليه حضارات عدة معاصرة بهذا الزمان، ولكن مرت علينا ازمنة غابرة خلطت الحابل بالنابل، قادتنا للاسف للتراجع عوضا عن التقدم. نعم نحتاج الى الاطلاع والاستقاء لننهض لا لننتحل.* ثروة من البادية: قراءة جديدة في الشعر العربي القديم، د. ريموند فارن.

Share this post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


عالية الخالد